الجنابه:::::::
سبقني على غير العادة أبي هذا اليوم اِلى جلسة الحوار هذه .
وحين حضرت لم يلحظ أبي أول الاَمر حضوري.. كان صامتاً، متأمّلاً مطرقاً برأسه اِلى الاَرض. مرخياً عينيه في قلبه، تاركاً ـ كما يبدو ـ لمشاعره حريّة التسلّل خارج جدران الغرفة المفضضة ببياض الاَسئلة وبراءة قلب الطفل.
وما أن لمحني حتّى عاد لعينيه حزمهما الجميل الهادئ ، فرنا اِليَّ قائلاً:
سأبدأ حواري بمقدّمة تسلمني اِلى فحوى حديث اليوم.. اِلى حواريّة الجنابة. ثم أردف:
ـ حدّثتك في «حواريّة النجاسة» عن النجاسات، تلك التي تسلب من أجسادنا وأجسام الاَشياء طهارتها الاَولى التي كانت عليها.
ثم حدّثتك في «حواريّة الطهارة» عن المطهّرات، تلك التي تعيد مرّة اُخرى لاَجسادنا وأجسام الاَشياء طهارتها المغصوبة.
ولو رجعت اِلى «النجاسات» لوجدت أنّها أشياء مادّية طارئة على الجسد، منه، أو من غيره.
اِنّ هناك اُموراً معنوية غير محسوسة، لو «حدثت» لسلبت من الانسان طهارته، ولاحتاج بعدئذٍ اِلى ما يعيد له طهارته المسلوبة ونقاءه الجميل المفقود.
ذلك «الحدث» على نحوين.. أكبر وأصغر.
فالحدث الاَكبر: الجنابة والحيض والنّفاس والاستحاضة الكثيرة ومسّ الميّت والموت.
والحدث الاصغر: كالبول والغائط والريح والنوم والاستحاضة القليلة وغيرها.
والحدث الاَكبر «يغسله الغسل» أو «يمسحه التيمّم».
والحدث الاَصغر «يغسله الوضوء» أو «يمسحه التيمّم».
وستتناول حوارياتنا القادمة هذه الاُمور أمراً أمراً مبتدئين اليوم بـ«الجنابة».
قلت لاَبي:
بماذا تتحقّق الجنابة؟
قال:
تتحقّق بأحد أمرين:
أولاً: خروج السائل المنوي، سواء أخرج بممارسة جنسيّة، أم باحتلام، أم بعادة سريّة، أم بغير ذلك.
وما هي صفات السائل المنوي؟
ـ سائل لزج كثيف، رائحته كرائحة العجين المختمر، حليبي اللّون يميل لون أحياناً اِلى الصفرة أو الخضرة، يخرج في الغالب عند بلوغ الشهوة الجنسيّة ذروتها مصحوباً بالدفق وملحوقاً بارتخاء وفتور للجسد.
واِذا شككت بأن هذا السائل اللزج الخارج هل هو سائل منوي أو هو غيره من السوائل الاخرى؟
ـ سأعطيك علامات ثلاث: اذا اجتمعت ثلاثتهن فهو سائل منوي.
هذه العلامات هي: الشهوة، والدفق. وارتخاء الجسد أو فتوره.
وفي المريض تكفي الشهوة.
ولو تحقّقت واحدة منهنّ أو اثنتان..؟
ـ قل انّه ليس سائلاً منويّاً، سوى المريض كما ذكرت قبل قليل.
وهل للمرأة سائل منوي كالرجل؟
ـ نعم السائل الخارج من مهبلها عندما تبلغ الشهوة الجنسية ذروتها بحكم السائل المنوي في الرجل سواء في حال النوم أو في حال اليقظة.
ثانياً: الاتصال الجنسي ولو لم يؤدّ اِلى نزول السائل المنوي. ويكفي في تحقّق الاتصال الجنسي دخول رأس العضو التناسلي الذكري «الحشفة» في فرج الانثى أو شرجها.
واِذا خرج السائل المنوي أو تحقّق الاتصال الجنسي؟
ـ تحقّقت الجنابة، للفاعل والمفعول به من غير فرق بين الكبير والصغير، والعاقل والمجنون والحيّ والميّت.
واذا تحقّقت الجنابة..؟
ـ وجب عليك الغسل لتصلّي ـ مثلاً ـ أو لتطوف في حجّك. فان الصلاة والطواف تتوقّف صحتهما على الغسل، وسأشرح لك في «حواريّة الغسل» التي ستأتي، كيف تغتسل.
ثمّ اِنّه حرمت عليك ما دمت جُنباً أمور:
(1) ـ مسّ كتابة القرآن الكريم.
(2) ـ مسّ لفظ الجلالة «الله» [وأسماء الله وصفاته الخاصة به كـ «الخالق»].
(3) ـ قراءة آية السجدة من كل سورة من سور العزائم الاربع وهي «اقرأ، والنجم، والسجدة، وفصّلت».
(4) ـ دخول المساجد او المكث فيها، أو أخذ شيء منها أو وضع شيء فيها [وان كان من خارجها أو في حال الاجتياز فيها].
ويجوز للجنب اجتيازها كالدخول من باب والخروج من باب آخر اِلاّ المسجدين الشريفين «المسجد الحرام بمكّة» و«المسجد النبويّ بالمدينة»، [وتلحق المراقد المقدّسة للمعصومين عليهم السلام بالمساجد].
وهل يلحق الصحن والرواق اذا لم يكن مسجداً بالمسجد فيحرم دخولهما؟
ـ كلا لا يلحقان به.
قبل أن نودع حواريّة الجنابة أحبّ أن أسألك وأخجل.
ـ سل ما شئت دون خجل فلا حياء في الدّين، أقولها دائماً.. دائماً.
أحياناً بعد أن أُثار جنسيّاً اشاهد نقطة لزجة لسائلٍ أبيض شفّاف تخرج من القضيب.
ـ نعم هذا السائل طاهر لا ينجس الملابس ولا الجسد، ولا يجب عليك الغسل ولا الوضوء اذا خرج، وهناك سائل آخر يخرج بعد البول أحياناً، اِنّه كذلك طاهر ولا يجب عليك الغسل اذا خرج.
والعادة السرّية؟
ـ العادة السرّية محرّمة يجب عليك اجتنابها وقد نزّلها الاِمام الصادق عليه السلام في بعض النصوص المرويّة عنه منزلة الزّنا!!
* * * * *
«حوارية الحيض»
جلس أبي على مقعده المعد له في غرفة الحوار هذا اليوم، وعلي شفتيه ابتسامة عريضة جعلتني اُخمن ان امراً غير مألوف يراوده، جلس ليقول:
ـ ساُحدثك اليوم عن الحيض.
لم أكن أعرف قبل اليوم ماذا يعني الحيض، وان كنت أذكر اني قد سمعت هذه اللفظة من قبل.. غير ان ما اثار فضولي لمعرفتها.. اني سمعتها تلفظ منهن على استحياء.. تلفظ همساً رقيقاً عاجلاً كأن في الكلمة ما يُخجل.. وبمجرد ما تيقنت ان الحديث عن الحيض قد بدأ. خجلت ورحت اداري خجلي فسألت نفسي: لماذا يهيئ الخجل نفسه ليحضر معي.. والحّ عليّ هذا التساؤل.. ثم تطاول فاستحكم، ترى لماذا يهيئ الخجل نفسه ليحضر هنا.
واستحوذت عليَّ الفكرة وأسرتني.. لماذا الخجل ولِمَ؟ اِذا كان الحيض امرأ مخجلاً حقاً فكيف سيحدثني عنه أبي هذا اليوم، ثم.. لماذا يحدثني عن أمر مخجل يحسن ان لا يتحدث به أحد.
واستذكرت.. فموضوع حوارياتنا كلها يدور حول احكام شرعية، فلا بد أن يكون الحيض موضوعاً يتناوله بالبحث الفقه الاسلامي، واذا كان الامر كذلك؟ فما معنى ان نخجل من الحديث في امر يذكره القرآن الكريم، ويتناوله النبي الكريم محمّد صلّى الله عليه وآله ويتحدث عن احكامه المعصومين عليهم السلام لاصحابهم، ثم بعد ذلك ما معني ان نخجل من أمر يجب أن نحيط باحكامه لنطبقها أو لنجيب من يسأل عنها.
وأفقت على صوت أبي يقول:
ـ سبب الحيض، خروج دم الحيض، وهو دم تعتاد عليه النساء وتعرفه، يخرج في فترات منتظمة كل شهر تقريباً ويوصف بانه «أحمر» أو مائل اِلى «السواد» و«حار» و«يخرج بحرقة ودفق».
وهل هناك عمر معين للنساء اللاتي يأتيهن الحيض..؟
ـ نعم، ان تكون قد أكملت تسع سنوات قمرية من عمرها، وان لا تكون قد بلغت ستين عاماً قمرياً وهو سن اليأس.
اِذن بين 9 ـ 60 سنة؟
ـ نعم، فكل دم تراه الفتاة قبل بلوغها تسع سنوات ولو بلحظة ليس بدم حيض وكل دم تراه المرأة بعد بلوغها ستين سنة لا تكون له احكامه.
وكم يوماً يستمر نزول دم الحيض؟
ـ أقل ما يكون الحيض ثلاثة أيام تتوسطهما ليلتان، واكثره عشرة أيام.
واذا استمر اقل من ثلاثة أيام وانقطع؟
ـ ليس هذا الدم دم حيض.
واذا زاد على عشرة أيام؟
ـ الحيض لا يزيد على عشرة أيام.
واذا انهت المرأة أيام الحيض وطهرت، ثم عاد فنزل الدم ثانية بعد تسعة أيام مثلاً؟
ـ ليس هذا الدم النازل دم حيض لاَن الفترة الفاصلة بين حيضة وحيضة يجب أن لا تقل عن عشرة أيام دائماً.
متى تعدّ المرأة نفسها حائضاً؟
ـ اذا جاءها الدم في وقت عادتها الوقتية أو قبل وقت عادتها بزمن قليل كيوم أو يومين.
وكيف تكون المرأة ذات عادة وقتية؟
ـ اذا نزل منها دم الحيض مرتين في زمان خاص من شهرين فصاعداً.
واذا لم تكن المرأة ذات عادة وقتية كالفتاة التي يأتيها الدم لاَول مرة أو المضطربة تلك التي لم تستقر لها عادة فمتى تعد نفسها حائضاً؟
ـ تعد نفسها حائضاً اذا تحقق أحد أمرين:
1 ـ اذا كان الدم حاوياً علي صفات دم الحيض وهي الحمرة أو السواد والحرارة والخروج بحرقة ودفق.
2 ـ اذا رأت الدم وأطمأنت باستمرار نزوله اِلي ثلاثة أيام فما زاد.
اذا عدت نفسها حائضاً لاحد الامور المتقدّمة وتركت الصلاة ولكن الدم انقطع قبل اكمال ثلاثة أيام فعلمت أنه لم يكن بدم حيض فماذا تصنع؟
ـ تقضي ما فاتها من الصلاة في تلك الفترة.
اذا استمر الدم النازل عشرة أيام أو أقل متجاوزاً أيام عادتها؟
ـ تعتبر حائضاً طوال فترة نزول الدم وان فقد بعضه صفات دم الحيض.
واِذا استمر الدم أزيد من عشرة أيام وكانت ذات عادة محددة وقتاً وعدداً؟
ـ تعتبر حائضاً في خصوص أيام عادتها لا ما تقدم عليها ولا ما تأخر عنها.
ذات العادة اذا لم تر الدم في وقت عادتها ونزل منها الدم بعد الوقت واستمر لازيد من عشرة أيام وكان بعضه يحمل صفات الحيض وبعضه لا يحمل صفاته فأي منهما حيض؟
ـ الاول منهما، ولكن تراعي في العدد عدد العادة السابقة، فاذا كان ما يحمل صفة الحيض اقل من عدد العادة اكملت العدد باِضافة بعض ما ليس بصفة الحيض، واذا كان ما بصفة الحيض اكثر من عدد العادة تجعل خصوص مقدار عادتها حيضاً.
اذا استمر الدم أزيد من عشرة ايام ولم تكن ذات عادة أصلاً كالمبتدئة والمضطربة والمتحيرة فكيف تميز دم الحيض عن سواه؟
ـ باختلاف الصفة فاذا كان مقدار من الدم النازل تحمل صفات دم الحيض وكان ما بين ثلاثة أيام اِلي عشرة أيام تجعله حيضاً وما سواه دم استحاضة ذاك الذي أحدّثك عن أحكامه في حوارية قادمة.
واذا شكت المرأة في انقطاع دم الحيض؟ اي: شكت بانها طهرت أو لا زالت حائضاً؟
ـ وجب عليها الفحص.
وكيف تفحص؟
ـ ان تدخل قطنة في موضع الدم وتتركها برهة ثم تخرجها فان كانت بيضاء نقية فهي طاهرة وعليها أن تغتسل وتأتي بعبادتها كالصلاة والصوم مثلاً... وان كانت مغموسة بالدم أو مخضبة فهي لا زالت حائضاً.
واِذا علمت المرأة انها حائض؟ فماذا تفعل؟ وماذا تترك؟
ـ أحكام المرأة حال الحيض ما يأتي:
1 ـ لا تصح منها الصلاة.. لا الصلاة الواجبة ولا المستحبة.
2 ـ لا تقضي ما يفوتها من صلوات اثناء الحيض.
3 ـ لا يصح منها الصوم.
4 ـ تقضي ما يفوتها من صوم في رمضان اثناء فترة الحيض، [وكذلك الصوم المنذور في وقت معين].
5 ـ لا يصح منها الطواف في الحج.. واجباً كان أو مستحباً.
6 ـ لا يصح طلاقها وهي حائض اِلاّ في موارد مستثناة.
7 ـ يحرم الاتصال الجنسي في القبل بها أيام الدم، ويجوز بعد انقطاعه وقبل الغسل [بعد غسل الفرج].
8 ـ يحرم عليها كل ما حرم على المجنب «راجع حوارية الجنابة».
9 ـ يجب عليها أن تغتسل للصلاة اذا انتهت فترة الحيض «وسأشرح لك كيف تغتسل في حوارية الغسل الاَتية».
* * * * *
«حواريّة النّفاس»
قال أبي: سأحدّثك اليوم عن النّفاس.
وما النفاس؟
ـ دم تراه المرأة عند الولادة أو بعدها بسبب الولادة ونسمّي المرأة عندئذٍ بالنُفَساء.
وكم يستمرّ النفاس؟
ـ اكثر النفاس عشرة أيام.
وأقلّه..؟
ـ لا حدَّ لاَقلِّه، فقد يكون دقيقة وقد يكون أقل من ذلك.
وهل يختلف النفاس بين امرأة وأخرى؟
ـ النفساء ثلاثة أقسام لكل منها حكم خاص بها.
الاول: من لا يتجاوز نزف الدم عندها عشرة أيّام.
وما حكمها؟
ـ تعتبر فترة نزول الدم كلها نفاساً.
الثاني: من يتجاوز نزف دمها عشرة أيّام، ولها عادة عدديّة في الحيض محدّدة كأن تكون عادتها في الحيض خمسة ايام من كل شهر.
وما حكمها؟
ـ ان تعتبر مدّة عادتها نفاساً، خمسة أيام في مثالنا السابق.
والاَيّام الباقية؟
ـ تعتبرها استحاضة.
الثالث: من يتجاوز نزف دمها عشرة أيّام، وليس لها عادة عدديّة في الحيض محدّدة.
ما حكمها؟
ـ حكمها أن تعتبر مدّة نفاسها عشرة أيّام.
اذا كانت النفساء ذات عادة في الحيض محدّدة، وتجاوز نزف دمها عدد أيّام عادتها. وهي لا تدري هل سينقطع نزف الدم قبل عشرة أيّام، أو سيستمر اِلى ما بعد العشرة؟
ـ يمكنها أن تترك العبادة اِلي تمام عشرة أيّام، فان انقطع نزف الدم اعتبرت المدّة كلها نفاساً، واِن تجاوز الدم اليوم العاشر تغتسل وتعمل عمل المستحاضة.
وتلك المدة الفاصلة بين نهاية عادتها وتمام العشرة، تلك التي تركت فيها العبادة؟
ـ تعتبرها استحاضة، وتقضي ما فاتها فيها من عبادة.
اذا انقطع نزف الدم في اليوم الاول ثم عاد لينقطع مرّة أخرى في اليوم العاشر مثلاً أو في أيِّ يوم كان قبله..؟
ـ كان النزف الاَوّل والنزف الثاني كلاهما نفاساً.
وفترة النقاء الفاصلة بينهما؟
ـ [حكمها أن تجمع فيها بين أعمال الطاهرة من النّفاس وما تتركه النفساء].
اذا انقطع نزف الدم ثم عاد، ثم انقطع، ثم عاد، وهكذا، ولكنه لم يتجاوز بمجموعه عشرة أيّام؟
ـ كانت أيّام الدم كلها نفاساً وامّا أيّام النقاء [فتجمع فيها بين اعمال الطاهرة وتروك النفساء].
اذا أتمّت النفساء نفاسها، ثمّ رأت الدّم بعد ذلك؟
ـ كل دم تراه النفساء بعد اِتمام نفاسها واِلى عشرة أيّام لاحقة فهو استحاضة، سواءٌ أكان الدّم بصفات دم الحيض أم لم يكن، وسواء أكان في أيّام عادتها أم لم يكن.
وماذا يترتّب على النفساء من أحكام.
ـ يترتّب عليها كل ما ترتّب على الحائض من أحكام سواءٌ أكانت واجبات أم مستحبات أم مكروهات أم محرمات [حتّى حرمة قراءة آية السجدة من سور العزائم، ودخول مسجدي مكّة والمدينة ولو علي نحو الاجتياز، ودخول المساجد الاَخرى بغير اجتياز، ووضع شيء في المساجد] راجع حواريّة الحيض.
* * * * *
«حواريّة الاستحاضة»
جلس أبي جلسته المعتادة مزداناً به مكانه المخصّص له كل يوم، وبدأ فأضفى على حوار اليوم اسم «الاستحاضة».
وما أن أتمت كلمة الاستحاضة تكوينها اللفظي واستوت كجسدٍ من كلام حتى خطر في ذهني ان حروف الكلمة هي حروف كلمة الحيض، مصاغة منها، أو محورة عنها واِذ استولى عليَّ هذا الخاطر برق في ذهني خيط من دم راعف، وأخذ يتشكّل متخذاً هيئة امرأة.
فقلت: وهل الاستحاضة من مختصّات النساء؟
قال: نعم.
قلت: وهل هي نضح دموي..؟
قال: نعم.. ولكن..
ولكن ماذا؟
ـ لكن شرط أن لا يكون دم حيض، ولا نفاس، ولا جرح، ولا قرح ولا افتضاض بكارة.
قلت: معنى هذا أن الاستحاضة هي كل دم لا يكون حيضاً ولا نفاساً ولا جرحاً ولا قرحاً ولا دم تمزق غشاء البكارة.
قال: نعم.
قلت: هذه دماء عديدة.
قال: بعضها دليل خصوبة المرأة وشبابها. ألا ترى انّها حين تشيخ وينقطع عنها دم الحيض لا تنجب.
قلت: دم الجروح والقروح والنفاس معروف عادة. ولكن كيف تعرف المرأة أن هذا الدم دم استحاضة. وليس دم حيض.
قال: تذكَّر مواصفات دم الحيض؟
قلت: نعم، فهو دم أحمر أو أسود، يخرج بحرقة، وحرارة.
قال: غالباً ما تكون مواصفات دم الاستحاضة مخالفة لمواصفات دم الحيض، فدم الاستحاضة غالباً اصفر اللون، ورقيق، ويخرج بلا لذعٍ ولا حرقة.
قلت: وكيف تشخص المرأة أن هذا الدم ليس دم تمزّق غشاء البكارة اِذا صادف ذلك يوم الزواج؟
قال: دم تمزّق غشاء البكارة يحيط بالقطنة، ويطوِّقها كهلال من دم، بينما قد تنغمس القطنة بدم الاستحاضة، وقد يزيد فيتجاوزها اِلى ما ربطتها به؟
اذن دم الاستحاضة قد يستوعب القطنة بخضابة؟
ـ نعم، وقد لا يستوعبها، فالاستحاضة علي ثلاثة أقسام:
استحاضة كثيرة: اِذا انغمست القطنة بالدم وزاد، فتجاوزها اِلى ما ربطتها به ولوّثه.
واستحاضة متوسطة: اِذا انغمست القطنة بالدم، ولكنّه توقف عندها فلم يتجاوز اِلى ما ربطتها به.
واستحاضة قليلة: اِذا لوَّن الدّم القطنة ولم يغمسها، لقلته.
وما حكم كل منها؟
ـ في الاستحاضة الكثيرة، يجب علي المرأة أن تغتسل ثلاثة اغسال، غسلاً لصلاة الصبح، وغسلاً لصلاتي الظهر والعصر اِذا جمعتهما وغسلاً لصلاتي المغرب والعشاء اِذا جمعتهما.
واذا فرّقت بينهما؟
ـ اغتسلت لكل صلاة.
وهل هذا حكمها في مطلق الاَحوال؟
ـ لا، بل هذا حكمها فيما اِذا كان الدم صبيباً لا ينقطع بروزه على القطنة وامّا اِذا كان بروزه عليها متقطعاً بحيث تتمكن من الاغتسال والاتيان بصلاة واحدة أو أزيد قبل بروز الدم عليها مرّة اخرى [فعليها تجديد الغسل كلما برز الدم، فلو اغتسلت وصلت الظهر ثمّ برز الدم على القطنة قبل صلاة العصر أو في اثنائها وجب عليها الاغتسال لها] ولو كان الفصل بين البروزين بمقدارٍ تتمكّن فيه من الاتيان بصلاتين أو عدة صلوات جاز لها ذلك من دون حاجةٍ الى تجديد الغسل.
هذا في الاستحاضة الكثيرة.
وفي الاستحاضة المتوسطة يجب عليها ان تتوضأ لكل صلاة [وتغتسل في كل يوم مرّة واحدة قبل وضوءاتها].
اضرب لي مثلاً علي ذلك.
ـ قبل صلاة الفجر ـ مثلاً ـ اكتشفت المرأة انها مستحاضة فاختبرت نفسها فكانت استحاضتها متوسطة [تغتسل] ثم تتوضأ لصلاة الفجر ويكفيها غسلها هذا لكل صلوات ذلك اليوم مع وضوء لكل صلاة، فان حلّ اليوم الثاني [اغتسلت] ثم توضأت وهكذا لو توالت بتلك الصفة فلم تنقص ولم تزد.
وفي الاستحاضة القليلة: يجب عليها فقط ان تتوضأ لكل صلاة واجبة كانت أم مستحبة.
وهل تتبدل استحاضة المرأة من قسم الى قسم؟
ـ نعم قد تتبدّل فتتحول القليلة الى كثيرة، والكثيرة اِلى قليلة، وهكذا.
وكيف تعرف المرأة بتحوّل استحاضتها؟
ـ [عليها أن تختبر نفسها قبل الصلاة لتعرف ذلك]، ثمّ لتعمل وفق ما تقتضيه نتيجة الاختبار. فاذا تبيّن أنها استحاضة قليلة عملت بما تمليه عليها أحكام الاستحاضة القليلة. واِن تبين أنّها استحاضة متوسطة عملت بما تمليه عليها أحكام الاستحاضة المتوسطة وهكذا.
والقطنة المنقوعة بالدم والشداد وما ربطتها به اِذا لاقى الدّم؟
ـ يحسُن بها ان تبدلهما أو تطهرهما لكل صلاة اِذا كانت استحاضتها قليلة أو متوسطة واما اِذا كانت كثيرة [فيلزمها ذلك ان امكنها] وتتحفظ من خروج الدم للفترة من نهاية الغسل اِلى نهاية الصلاة، اِذا لم يضر بحالها تحفّظها.
وهل عليها أن تسرع اِلى الصلاة بعد الاتيان بما عليها من الطهارة؟
ـ [نعم].
ـ وماذا يترتّب على الاستحاضة من أحكام؟
ـ أوّلاً: يجب على المستحاضة أن تتطهّر بعد انقطاع الدم للصلاة الاَتية بالوضوء اِن كانت استحاضتها قليلة أو متوسطة وبالغسل اِن كانت استحاضتها كثيرة.
ثانياً: يحرم على المستحاضة بأقسامها الثلاثة مسّ كتابة القرآن الكريم قبل تحصيل طهارتها ويجوز بعده قبل اتمام صلاتها.
ثالثاً: يجوز طلاق المستحاضة أثناء الاستحاضة.
رابعاً: لا يترتب على الاستحاضة ما كان يترتّب على الحيض: من حرمة الاتصال الجنسي، وحرمة دخول المساجد، والمكث فيها، ووضع شيء فيها، وقراءة آيات السجدة.
خامساً: يصحّ الصوم في الاستحاضة القليلة والمتوسطّة واِن لم تأت المستحاضة بما يجب عليها للصلاة من الوضوء أو الغسل. واما المستحاضة استحاضة كثيرة فذهب جمع من الفقهاء رضوان الله عليهم اِلى ان صحة صومها تتوقّف على اتيانها بما يجب عليها من غسل الليلة السابقة على يوم الصوم ومن اغسال نهارية. ولكن الاَصحّ أنّه لا يتوقف على ذلك صحة صومها.
سادساً: لا يجب على المستحاضة الكثيرة الوضوء مع الاَغسال ويجب على المستحاضة المتوسطة الوضوء بعد الغسل [الواجب عليها].